اجعل ابنك يستمتع بالمحاولة
اجعل ابنك يستمتع بالمحاولة
لازالت تبهرني نظرة الطفل في سنواته الأولى
المتفحصة لكل شيء حوله، وكأنه يعلن التحدي على كل شيء، ويصرخ فيه ويقول له "سأتعرف
عليك رغماً عنك" ربما وجدته يلمس كوب الشاي الساخن، وبعد بكاءه من الألم يبتسم
لتعرفه على شيء جديد لم يكن يعرفه، لم ترهبه سخونة الكوب، بل تجده يستمر بمحاولة جديدة
للتعرف على شيء جديد، إنها إرادة التعرف على دنيا يرفض أن يكون فيها ضيفاً هامشياً
بل صاحب مكان يعرف كل أركانه.
إن الطفل في مئات المحاولات التي يدخلها
خلال اليوم الواحد في التعرف على ما حوله لا يطلق مسميات محبطة على أي محاولة، لا يسميها
فشل أو خسارة، مهما كانت نتائجها، يحبها ويدخلها بشغف جميل ويحضرها بقلبه وكل وجدانه،
يحبها يتمسك بهما مهما كانت التحديات، يتمسك بمحاولته حتى وإن ضربه أبواه، بمجرد أن
يزول الألم يعاود من جديد، وكأنه يعلنها بيقين (لن أترك الدنيا قبل أن أتعرف عليها).
اجعل تدخلك مع طفلك في تلك اللحظة كتدخل
مشرط الجراح في عمليته الجراحية حين يعلم تماماً النقطة التي يضع فيها مشرطه حتى يخرج
بمشرطه دون جرح لباقي الأجزاء السليمة بالجسم، إنه يصيب نقطة الخلل فقط ليصلحها، كذلك
أنت في تلك اللحظة، تتدخل في لحظة خطر لا لتقتل حب الاطلاع وحب التجربة داخل طفلك،
ولكن لتحمي تلك المحاولة من أي ضرر يصيب طفلك.
إن حب الاطلاع والتعرف على الجديد وإثبات
الذات من خلال التعلم والتطور صفة أزعجت كثيرين، فتعاونت الكثير من المؤثرات الحياتية
على تحجيمها بل ومحاولة قتلها في بعض الأحيان، خاصة في بعض المجتمعات التي تتسم بالتمسك
الأعمى بالتقاليد والثوابت المغلوطة، فهي تخاف من أي تطور يكشف زيف العقائد التي تتمسك
بها، فما من سبيل لتطور الأمم إلا تدعيم تلك الصفة في النفوس وحب العلم والبحث عنه
والعمل به.
محمود كرم الدين محمود