المعاني الراقصة

ما أصعب المعاني الناقصة، فهي راقصة، ترقص بالأنفس والعقول التي تظنها مكتملة، ولا تخدع الذين يدركون أن ثمة حقائق لازالت تحتاج إلى بيان، فتشتغل بجمعها وتدقيقها قبل أن تقسم الدنيا هذا ظلم وهذا بهتان، هذا مكرم وهذا مهان، فإن كان الكمال لله وحده، إلا أنه أمرنا بعدم التسرع والتدبر والتفكر،فإن لم نفعل ربما أمسكنا بمئات المهينين ولا نقضي على أسباب الإهانة، وعاقبنا آلاف الظالمين ولا ننهي الآليات التي أنتجت ظلمهم، حينها سنبدل مهين بمهين، وظالم بظالم.

فكم سمعنا عن حق أريد به باطل، وتلاعب بالألفاظ يقلب الجمل المفيدة إلى أخرى محيرة، ربما سألت نفسك لمن كانت إفادتها تحديداً؟ حينها يجب أن تفكر لأبعد من الحروف والكلمات، إلى أبعد من الأحداث الجارية، إلى أبعد من الانفعالات الراهنة، ربما احتجت إلى علم أكبر بعلوم أخرى، ربما احتجت إلى التاريخ لتدرس أحداث من سبقوك، ربما احتجت إلى الفطنة لتكشف بها من يخدعوك، وقوة ملاحظة تنتبه بها لتسأل هل تشتغل حقاً بما اخترته، أم هناك من يشغلك عما اخترته؟

حينها حتماً ستتغير رؤيتك، حين يكتمل المعنى بداخلك، تدرك أن ثمة احتياطات يجب أن تتخذها، وطرق محسوبة لنيل حقك يجب أن تنتهجها، وثمة ترتيب وتخطيط لأهدافك تحدد أي من الأولويات يجب أن تبدأ بها.

فلا يوجد أبداً نصر بني على الانفعال بدون دراسة الأفعال، ولن تحقق الأفعال نتيجتها إلا إذا حددت لها المجال، وحددت الهدف من الكلمة وتتجه لأي مسار، إن لم تفهم حقيقة المعنى ربما ظننت أنك تبني المبنى وفي حقيقته هو ينهار.

فإن فهمت وتعلمت حقيقة المعنى، فلا تؤجل قرارك ولا تتردد، وارسم بوعيك أهدافك ولها خطط، واصدق بإحساسك إن علمت أن أساسك هو من عمل عملاً صالحاً وعلى الله توكل.

محمود كرم الدين محمود