كيف تستمد قوة شخصيتك من نهر النيل؟
حين تكون قريباً من النيل لتشاهده، وتتركه يؤثر فيك وتتأثر به، هو ف الحقيقة يضيف لك ويأخذ منك، فمنذ آلاف السنين في رحلته الطويلة بين مختلف الألوان والأنواع من العصور والبشر استراح
النيل إلى ما أشارت به أقداره بأن ينهي رحلته الطويلة بين الزمان والمكان في أحضان مصر كالفلاح المصري الذي يعود إلى بيته بعد عناء طويل .
آلاف السنين يشاهد ويشهد على عظمة شعب استطاع أن يحفظ أرضه ووحدته وهويته رغم أنف وقسوة الطغاة وتغيرات الزمن إلا أنها لم تغلب حكمة المصري وفطنته .
ورغم عشرته بطول رحلته بين مختلف الأجناس في أطور رحلة لنهر في الدنيا إلا أن اسم النيل لم يقترن بجنس مثلما اقترن بالمصري وما هذا إلا لتشابه عجيب بين صفات النيل والمصري .فلكل منهما صفات نادراً ما تتكر في أي نهر أو شعب .
طول مسار النيل يتناغم بشدة مع طول بقاء المصري على أرضه ، فكما أن للنيل منابع عديدة من بداية رحلته من أواسط أفريقيا عند خط الاستواء حتى المصب، فإن للمصري منابع لعزته وكرامته لم يستطع أي مستعمر أو متآمر أن ينل منها أو يحط من شأنها ، فتاريخ مصر شديد الشبه بالنيل ، ربما نجد للنيل سنوات عجاف يقل فيها الماء ، مثل المصري ربما أتت عليه سنوات يقل معها النماء ، لكن أبداً ما هي إلا بعض السنوات ، لنجد تاريخ المصري يعود للصعود من بعد ضعف ، ويعود النيل للفيضان من بعد قحط ، في معجزة بقاء لا تملك إلا أن تقول معها سبحان من حفظ هذا الشعب وتلك الأرض .
بقاء النيل رغم اختلاف الطبيعة المناخية حيث المنابع من المناطق الحارة وصولاً إلى مصر بالمناخ المعتدل مثل المصري حين تمر عليه كافة ألوان طيف الأحداث المربكة ، من فقر إلى احتلال إلى ثورات إلى .. قلت ما شئت .. ستجد في مصر مثالاً لما قلت .. لكنها أبداً ما انتهت .. بقيت بلونها الأصيل وما تلونت .. آه لو أن العقول أدركت .. ما يحاك ضدها وتنبهت .. لتركت كل صراع جانبي وتفرغت .. لما هو أهم وأنقذت .. ما بقي من النيل وأنجزت .
محمود كرم الدين محمود